هندسة الحدائق تاريخها وأهداف تواجدها! 2024.

هندسة الحدائق تاريخها وأهداف تواجدها!

خليجية

هندسة الحدائق تعتمد بالدرجة الأولى على فن رسم الخطوط والأشكال المستوحاة من الطبيعة، باستخدامها لعناصرها، فهي تعتبر المصدر الأساسي لجميع الأفكار، شرط أن تلبي حاجات الإنسان ومتطلباته المتعددة.

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:" إذا دخلت الحدائق (وقيل البساتين) فأطل تأملها فإن فيها جلاءً للبصر، وارتياحاً للهم والفكر، وتكرمة للطباع، وتسكيناً للصداع."

منذ ما بدأ الإنسان يستقر في أماكن محددة مشيداً المعابد والمنازل والقصور، بدأت الحدائق بالظهور، فتعددت أنواعها وأنظمتها بتعدد الأفكار وطرائق الحياة والاتجاهات الحضارية والدينية والثقافية. فأصبح لكل فئة بشرية حديقتها تعكس معالم حضارتها، فتميزت كل حديقة بخاصية مختلفة عن غيرها.

فظهرت في البداية الحدائق المعلقة في بلاد ما بين النهرين، وكانت لها نباتات وأشجار ميزتها عن باقي الحدائق. ثم تعاقبت الحدائق على مختلف الحضارات مكتسبةً أفكاراً وأساليب مختلفة. فظهر فن تقليم الأشجار والشجيرات الخضراء في الحضارة الرومانية،حيث تميزت الحديقة الرومانية بأنها رباعية الشكل، علماً أن الرقم 4 في علم الأرقام يشير الى مربع قاعدة الهرم… كما اكتسبت الحدائق رونقاً مختلفاً في عصر النهضة، فما خلا قصر من حديقة تتواصل مع مختلف أرجائه من خلال أروقة وباحات خارجية أو وظائف تشرف وتتداخل وإياها.

فهنالك حدائق إنكليزية تأسست على الرقم 6 بمعنى أن أغلبها كان سداسي الشكل، والرقم 6 في علم الأرقام يشير الى التذبذب نحو الحكمة، بمعنى محاولة لإيجاد التناغم بين عناصر الطبيعة والبناء.

ولا زالت الحدائق حتى يومنا هذا تكتسب أساليب وأشكال فنية عديدة بتعدد الأفكار والتقنيات ومواد البناء المستخدمة.

فتواجدت الحدائق بمختلف أساليبها وأنواعها، بدءاً بالحدائق المنزلية الى الحدائق العامة، وصولاً الى الحديقة التي تحتوي على أعمال فنية أو أثرية أو وطنية. فهي شبيهة بمتحف طبيعي صممت خصيصاً لهذا الهدف.

والحديقة أو الجنينة هي تصغير لكلمة جنة، تلك الجنة التي حلم بها الجميع، بحيث تتواجد فيها أماكن للراحة والسعادة من خلال التمتع بمناظرها الخلابة. فعمل الإنسان جاهداً منذ أن سكن الكهوف والمغاور، أن تكون بالقرب من مسكنه حديقة يتغذى من ثمار أشجارها، ثم بعد ذلك انتقل الى زراعة أرضها وحرثها. فكان الهدف من ذلك بداية الاعتماد عليها لتلبية حاجات غذائية، الى أن تطورت مع تطور الوعي البشري، فتحضّر الإنسان وأصبح يعي أهمية فن العمارة، بعدما أرشدته الطبيعة الى جمالها…

فأصبحت الحديقة عندئذ محتوى للتصميم الهندسي، ولا زالت حتى الآن حدائق غنّاء خالدة في ذاكرة الهندسة المعمارية مثل حديقة تاج محل، وحدائق عصر النهضة، التي كانت امتداداً طبيعياً لمحتوى العمل الهندسي من حيث تواصلها مع مختلف وظائف البناء. وكأن الداخل يتكامل مع الخارج، كما يتكامل الموجب مع السالب. فالجالس في غرفته أو في قاعة الاستقبال أو الطعام، يستطيع أن يحيا في الطبيعة، بينما هو داخل مسكنه، وذلك من خلال الفتحات المرتفعة والواسعة، التي تؤمن تواصلاً مع الحديقة. فضوء هذه الحدائق ينعكس الى الداخل بواسطة برك ماء وبحرات مياه، وهواء أشجارها المنعش يصل الى القاطنين مداعباً أوراق الأشجار. كما وأن حسن اختيار موقع البناء المشاد ضمنه الحديقة، جعلها جزءاً لا يتجزأ من البناء، كونها تؤمن له عناصر أساسية…كالأكسيجين مثلاً. بالإضافة الى أنها تضفي جمالية على البناء من خلال أشجارها وألوان أزهارها المتعددة المحيطة والمتداخلة به.

وكأن البناء وحديقته يشكلان وحدة تفاعل، إذ إن البناء لا تستمر فيه الحياة كحركة تواصل مع الطبيعة، دون المحتوى الخارجي الذي شكلته الحديقة. فالبناء المشاد لا قيمة له فنياً دون حديقته مكملته، فالاثنان يسعيان الى التكامل سواء من الناحية الجمالية العمرانية أو الوظيفية. فأصبح الإنسان يستخدم عناصر الطبيعة سواء في البناء المراد تشييده من أحجار صخرية وألواح خشبية وقرميد أو في هندسة حدائقه من أزهار وشتل وأشجار ومواد متعددة ليبني له فيها أماكن جلوس تمضية لبعض الأوقات الممتعة بين أحضانها.

لكن ما الرابط الخفي بين الطبيعة والإنسان ؟! هل فقط جمالها أم هنالك قواسم مشتركة بينهما؟! فبين الشجرة والإنسان تشابه كبير، جذورها تستقي غذاءها من باطن الأرض، وجذور الإنسان تستقي من باطن وعيه… أوراق أغصانها تتلقى طاقة الضوء من الشمس لتتجدد الحياة فيها من خلال صناعتها للكلوروفيل بواسطة التمثيل الضوئي. والإنسان أيضاً يتلقى طاقة الضوء من الشمس ليبقى على قيد الحياة. فالضوء مصدر الحياة من خلال سرعاته المختلفة والمتعددة التي أدت الى تواجد وتعدد أشكال الحياة على الأرض. وما لم يع الإنسان أسرار الضوء في كيانه لن يتوصل الى معرفة أسرار شجرة الحياة في مخيخه التي منها انبثق الإنسان وظهر الى الوجود. فمن أكل من شجرة الحياة عليه أن يعي ما تحتوي عليه ثمارها… من خلال تذوق حلاوة المعرفة ومرارة وشقاء الجهل.

فلنجعل من صحارى الوجود حدائق غنّاء ممتلئة بكل عناصر الطبيعة…كما يحوّل الوعي المتفتح صحارى لاوعينا الى جنات تذكرنا بطبيعتنا النورانية …

م.ن

خليجية

خليجية

تسلم على الموضوع..

خليجية

اسعدني تواجدكم بالموضوع

خليجية

موضوع مميز

شكرا لك …

خليجية

صالح الزرعوني

شكرا لمرورك بالموضوع

تسلم على الموضوع

تحياتى لك

تسلم ع الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.